الحلقة الثانية البقاء لله | سامح حسين | #قطايف

66
البقاء لله | سامح حسين | #قطايف

البقاء لله | سامح حسين | #قطايف


الحلقة الثانية: البقاء لله

الحلقة الثانية البقاء لله | سامح حسين | #قطايف

رمضان 2025
#قطايف

البقاء لله،

في حياتي كلها سمعت كلام كتير أوي، سمعت عدد من الجمل لا يمكن حصره، لكن أصدق جملة سمعتها في حياتي كلها هي جملة “البقاء لله”، اللي بنقولها لبعض في المياتم دي واحنا بنشرب فنجان القهوة السادة. صحيح هو احنا ليه بنشرب قهوة سادة في العزا؟ ليه مش مانو بن محوج؟ ما علينا، نبقى نشوف الموضوع دا بعدين.

جملة “البقاء لله”

هي جملة من كلمتين بيمثلوا الحقيقة المطلقة في عالم مفيهوش أي شيء مؤكد. البقاء هو الغريزة الأم، وكل الغرائز التانية بتتفرع منها. بنجوع علشان ناكل، فلما ناكل نعيش. بناكل عشان نعيش، واخد بالك؟ مش بنعيش عشان ناكل.
بنعطش علشان نشرب فنعيش.
بنخاف علشان لما نخاف نهرب من المخاطر، ما نروحش مثلا نرمي نفسنا في النار أو من فوق قمة عالية، بنعمل كدا عشان نعيش.
حتى غريزة التقزز، ثبت علميا إن الإنسان الأول كان بيقرف من أي شيء مش مألوف، ودي وسيلة حماية، ربنا زرعها جواه علشان مياكلش سم يقتله. حتى الشعور بالألم بيعرفنا إن فيه حاجة غلط أو مرض لازم نعالجه.

شهوة الراجل للست أو الست للراجل، وراها برضو غريزة البقاء، علشان يخلفوا مخلوق يخلد وجودهم في الدنيا، ويزعجهم برضو ويهريهم مصاريف وتمارين ودروس، وكل دا على قلبنا بيبقى زي العسل، عشان غريزة البقاء.
كلنا بنتشعبط في قطر التاريخ، كلنا عايزين الناس تفضل فاكرة أسامينا بعد ما نموت. من أول الفراعنة اللي كانوا بينقشوا على الحجارة، لحد الفلاح البسيط اللي بيحلم يخلف طفل يشيل إسمه بعد ما يموت.
كلنا بنجري ورا البقاء بس مفيش حد فينا باقي. هنمشي، وهنسيب العالم دا، وبعد فترة طالت أو قصرت هنتنسي وآثارنا كلها هتتمسح ولا كأننا كنا موجودين.

تعرف اسمك لحد الجد الكام؟ الرابع؟ السادس؟ العاشر؟ طب جدك العشرين كان اسمه إيه؟ مش مكسوف من نفسك تبقى كبير كدا ومتتعرفش اسم جدك؟ يا عم بهزر معاك، هو مين فينا يعرف اسم جده العاشر حتى..
الراجل اللي كان عايش من 1000 سنة وخلف سلسلة ممتدة من البشر لحد حضرتك.. تعرف كان اسمه إيه؟
تعرف جنسيته كانت إيه؟ كان عربي ولا هندي ولا قبطي؟
تعرف كان شكله إيه؟ كان عايش إزاي؟ كان سعيد في حياته ولا حزين؟ كانت جدتك الكبيرة منكدة عليه ولا كانت فرفوشة؟ مش هتعرف.
عموما هو كان زينا بالظبط، كان بيصارع كل ظروف الحياة، بيشتغل، بيتعب، بيحلم، كان عنده مشاكل ومتاعب، وقصة طويلة مليانة أحداث كلها اتبخرت. وكان عايز يخلف حد يشيل اسمه ويخلد وجوده في الدنيا، وخلف بالفعل، بس برضو اتنسى كأنه لم يكن، بقى هو والعدم سواء، مالوش أي وجود دلوقتي ولا حد يعرف عنه أي حاجة غير ربه، وأكيد هو فهم دلوقتي إن البقاء اللي عاش طول عمره يجري وراه، لله وحده.

الفكرة دي كفيلة تخلي الواحد يفهم مدى تفاهة الحياة دي. احنا بنهلك نفسنا عشان شوية كلام فارغ.
بنتعب شوية نجري على الدكتور.
بنخاف من الكهربا ومن البحر ومن الطرق السريعة، وبنعمل أي شيء في الدنيا يبعدنا عن الموت ولو يوم واحد، ومع ذلك بنموت برضو في الآخر.
بنموت بكل سهولة.


الموت أبسط وأسهل أحداث حياتنا على الإطلاق

، أسهل من تجديد رخصة العربية، وأسهل من مشوار الشهر العقاري، ويوم وفاة أي شخص هيعدي أبسط بكتير من يوم فرحه اللي بيقعد يحضرله من قبلها بسنة على الأقل.
جسمنا اللي احنا بنخاف عليه دلوقتي من الهوا، هيترمي في التراب وهيدوب زي أي قميص قديم عندنا مبقيناش نلبسه تاني.
والناس اللي حوالينا دي كللللها هتنسانا، هتسقطنا من حساباتها.

وأنا عايش تليفوني بيرن، وباب بيتي بيخبط، مراتي بتعمل حسابي في العشا، وأصحابي بيفتكروا عيد ميلادي عشان يهنوني، بعد ما أروح هناك هيتشطب عليا وهتشال من قايمة اهتمامتهم، وسيرتي هتيجي بعد كدا كل فترة بالصدفة، يتكلموا عني خمس دقايق وبعدين كل واحد يكمل اللي كان بيعمله.
أنت وأنا دلوقتي شايفين نفسنا محور أحداث الكون، ودا حقنا.
بس المفاجأة الغير سعيدة إن يوم وفاتنا هيكون يوم عادي جدا، هيكون فيه ماتش كورة ناس بتتفرج عليه، وفيلم كوميدي ناس بتضحك عليه، وخناقة في الشارع عشان سواق عربية كارو قافل الشارع ونزل يشتري بطاطا.
الحياة هتمشي بخطوتها العادية جدا، لا هتسرع ولا هتبطأ ولا الكوكب هيبطل دوران ويقف دقيقة حداد على روح أي حد.
خبر وفاة أي إنسان هيبقى مجرد سطر على التايم لاين، الناس هتقراه وهتنزل تعمل لاڤ أو هاها على البوست اللي بعده. عادي.

الشيء المضحك في الموضوع إننا بنعدي على تاريخ وفاتنا مرة كل سنة من غير ما نعرف.
تخيل إن يوم تاريخ ميلادك ويوم تاريخ خطوبتك وتاريخ جوازك ويوم عيد الأم ويوم عيد الحب وتاريخ تعيينك في الشغل، كل دي تواريخ انت عارفها وحافظها وبتحتفل بيها.
وتاريخ وفاتنا بيعدي علينا مرة كل سنة وإحنا بنعمل أي حاجة ومش في دماغنا، لأننا أصلاً مانعرفهوش.
أنا حاسس إني نكدت عليك شوية. صح؟ معلش، أنا مش هقفل الحلقة قبل ما أصالحك وأقولك الجانب الحلو في كل الكلام دا.

عارف إيه أحلى حاجة في كل اللي أنا قلته دا؟ إن البقاء لله.
لا فيه حزن هيدوم، ولا فيه تعب هيدوم، ولا ظلم ولا خداع ولا أي حاجة وحشة هاتدوم. أما الحلو اللي في حياتك دلوقتي، مجرد عينات.
متزعلش إنك هتسيبها، لأنك إن شاء الله هتروح للي أحلى منها بكتير.
الدنيا فاصل إعلاني قصير، هيخلص هيخلص، عشان تبدأ القصة الحقيقية اللي أنا وانت جينا هنا علشانها.
ربنا يدينا ويديكم طولة العمر جميعًا.
وكل سنة وأنتم طيبين.

برنامج قطايف 


اكتشاف المزيد من تريندات مصر-Trendat EG

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

لا تعليق

اترك رد